الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة الفنان والأستاذ الأزهر الضاوي يكتب رسالة وداع "اليوم الأخير"

نشر في  01 جويلية 2015  (00:24)

بمناسبة تقاعده من سلك التعليم، كتب الفنان والأستاذ الأزهر الضاوي رسالة وداع "اليوم الأخير" وذلك بعد مسيرة مهنية امتدت على مدى ستة وثلاثين عاما. وجاءت الرسالة كالآتي:

- اليوم الأخير-
"اليوم الثلاثون من جوان 2015 هو آخر يوم في مسيرتي المهنية الطويلة التي امتدت على مدى ستة وثلاثين عاما.. مرّت كأنها البرق.. فأنا لا زلت أذكر -بتفاصيله الصغرى- يومي الأول وقد حللت بحقيبتي "زائرا غريبا" على مدينة الكاف لأباشر التدريس بها..
منذ ذلك التاريخ كم ألفًامن التلاميذ درّست في عرض البلاد وطولها..وكم مئات من الزملاء الأساتذة والاداريين والقيمين والعملة عرفت وصادقت..
لست واثقا من قدرتي على توصيف شعوري بأمانة في هذه اللحظة الفارقة.. دموعي لا تسيل.. لكني أقر ببعض ملوحة طعمها في ريقي.. ومع ذلك فأنا أشعر بقدر لا يستهان به من راحة الضمير..
لقد دأبت /على امتداد هذه الحقبة الطويلة/ وعبر المعاهد التي جبتها /من الشمال الى الجنوب/على أن أهب كل ما في ذاتي وعقلي وحسي ووجداني لايصال المعرفة الى تلاميذي-وخصوصا- تغذية الحس النقدي لديهم ومحاربة "الأحكام المسبقة" و"المسلمات".. ورغم تواضع الوسائل المتوفرة.. أشعر أني توفّقت الى حد مافي تحقيق ذلك..لأني لم أكن أفرّق بين "البيداغوجيا" و"الفن" بل أعتبر كليهما "فنا"يتوقف نجاحه على القدرة على التأثير..

لن أنسى ما قاله لي بعض تلاميذي "الهائجين" "المشاكسين جدا" ذات مرة في أحد معاهد العاصمة مطلع التسعينات: "مسيو".. انت بحبوح.. ورجولي.. آما فيك حاجة وحدة موش باهية...تشد صحيح تحب تقرّي.!! " // يومها ضحكت..وحزنت//..

على امتداد هذه الفترة الطويلة /وفيما عدا أيام الاضرابات/.. كانت أيام تغيّبي عن التدريس تعد على الأصابع.. وأشد ما كان يزعجني مداهمة صوت الجرس لي وأنا على بعد خطوات قليلة من المعهد..
على امتداد هذه المدة الطويلة تجنبت ثلاثة أشياء //تقلّد المناصب الادارية+التدريس بالمدارس الحرة+التدريس بالخليج// (طبعا هذا لا يعني أني أعيب فعل ذلك على الآخرين).. لكن ذلك كان بارادة شخصية مني وكنت أجد فيها راحة بال لم أندم عليها الى اليوم..
شيء وحيد نغّص عليّ نهاية مسيرتي هو ما طرأ من اضطرابات على سير الدروس خصوصا هذه السنة..فلقد كنت آمل أن أعطي جذوتي الأخيرة في سنتي الأخيرة.. لكني حرمت من اعطاء تلكم الشعلة المتوهجة التي تصر كل شمعة على اعطائها قبل انطفاءتها الأخيرة..
..لذلك فأنا أعتذر شديد الاعتذار من تلاميذي الذين لم تكن نتائجهم بالمستوى المطلوب في هذه السنة..
..فيما عدا ذلك هآنذا أخرج.. لأدخل منعرجي الأخير بكل وجع المربّي "الكلاسيكي" "المتعفّف" "المضحي".. وكل الصفات التي صارت مستهجنة اليوم في "عصر الgabi-gabi"...عزائي الوحيد "محفظتي"..نعم محفظتي الماثلة أمامي الآن ترمقني وأرمقها بكل حب ومودة.. محفظتي صديقتي أنيستي ورفيقة دربي على امتداد رحلتي الطويلة...
..محفظتي التي بها دخلت....وبها خرجت !!!"